الأحد، 24 يونيو 2012

التغابي والتغافل ..


كثيراً ما أقول لطلابي إنه يستحيل أن يصل الغبي إلى مستوى مسؤولية معينة
وما تظنونه غباء إنما هو التغابي، مستشهداً بقول الشاعر:
ليس الغبي بسيّد في قومه *** إنما سيّد قومه المتغابي
لأنبّههم بأني وزملائي نتغاضى عن كثير من أعمال الطلاب، ليس غباء منا، وإنما تغابياً.
ولو أن كل شخص حاسب الناس على كل أعمالهم لصارت الحياة جحيماً لا يُطاق.
لذا لا بد من التغابي والتغافل في علاقاتنا مع الناس، فالبشر ليسوا ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، بل الصحيح أن كل ابن آدم خطّاء.

علاقاتنا مع الناس في هذه الحياة ليست على نسق واحد، إذ لا مفر من أن تحصل زلات من طرفنا أو من طرفهم فيتخذها الشيطان مدخلاً ليوسوس في الصدور فيوغرها ضدهم ولو كانوا من أقرب المقربين.
وفي الحديث (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون، ولكن بالتحريش بينهم).

فمن أراد صداقة الناس فلا بد له من أن يتغافل عما يفعلون، أي يتصنع الغفلة ويجعل نفسه كأنه لم ينتبه إلى ما فعلوا، ثم يعفو ويصفح ويسامح كي تستمر علاقته بهم، وإلا فليعِشْ وحيداً كما قال بشار بن برد:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً *** صديقَك لم تلقَ الذي لا تعاتبه
فعشْ واحداً أو صِل أخاك فإنه *** مقارف ذنبٍ مرةً ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى *** ظمئتَ، وأي الناس تصفو مشاربُه

فمن شأن الإنسان أن يُخطئ ويزل ويتفوه بكلمات في ساعة غضب
فحري بنا أن نتغاضى عن الأخطاء والزلات، وأن نعفو ونصفح.
وفي القرآن الكريم (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا. أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ . وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

والتغافل من فعل الكرام، كما نُقل عن الحسن البصري. ويعده الإمام ابن حنبل تسعة أعشار حسن الخلق.
وروي عن الشافعي قوله: الكيِّس العاقل، هو الفطن المتغافل.
ومن طرائف قصص التغافل قصة الزاهد الورع حاتم بن عنوان، فقد جاءته امرأة تسأله عن مسألة فاتفق أن خرج منها صوت فخجلت، فقال لها: ارفعي صوتك، فأوهمها أنه لم يسمع السؤال ولا الصوت فسُرّت المرأة بذلك. ومن يومها لُقّب بحاتم الأصم.

وروي عن صلاح الدين الأيوبي أنه كان كثير التغافل عن ذنوب أصحابه
يسمع من أحدهم ما يكره، ولا يعلمه بذلك، ولا يتغير عليه.
وكان جالسًا مرة وعنده جماعة، فرمى بعض المماليك بعضًا بنعلٍ فأخطأته، ووصلت إلى صلاح الدين ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه، ليتغافل عنها.
ولعله لهذا استطاع أن يكون قائداً فذّاً، ألَّف القلوب حوله لمحاربة الأعداء والنصر عليهم.

وإذا كان التغافل مطلوباً بين الناس فإنه مطلوب بشكل أكبر بين الزوجين.
فإذا دقق أحدهما في تصرفات الآخر، كبيرها وصغيرها، ينفر منه.
ولكن من وطّن نفسه على تقبُّل الطرف الآخر، والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات أو طبائع يعشْ عيشة هنية.
ومن طرائف ما سمعته من أحد القضاة أنه إذا جاءه رجل يشتكي زوجته ويريد طلاقها فيعطيه ورقة وقلماً ويطلب منه أن يكتب محاسنها، ثم يطلب منه أن يكتب مساوئها.
وفي الغالب فإن قائمة المحاسن تطول وقائمة المساوئ تقصر.
فيقول له: ألا تتغاضى عن هذه المساوئ في مقابل هذه المحاسن.
ويفعل الشيء نفسه مع الزوجة الغاضبة التي تأتيه وتود خلع زوجها.
فـ ياله من طبيب للقلوب والأنفس قبل أن يكون قاضياً عادلاً.

أما في تربية الأولاد فالتغافل يجب أن يكون سيد الموقف حتى لا يكتسب الأولاد عادات العناد والكذب. وهناك فرق بين التغافل والغفلة.
فالتغافل هو التغاضي عن بعض ما يصدر من الأولاد من عبث أو طيش رغم علم المربي بها.
أما الغفلة فهي الانشغال عنهم وعدم توجيههم وعدم معرفة ما يقومون به من أخطاء وأفعال مشينة مخلة بالأدب.
...........................


مما قرأت ..

وإن القلب ليحزن،،والعين لتدمع،،على فراقك يـا(نايـف)

حل نبأ وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد وزير الداخلية تغمده الله برحمته، على الوطن كالصاعقة مع إيمان الجميع بالقضاء والقدر وأن ذلك طريقنا جميعاً، لكن الفاجعة كانت كبيرة بفقدان الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله رحمة الأبرار.
ولكن يبقى عزاؤنا بفضل الله ثم تواصل عطاء هذه الأسرة الكريمة التي سعد الوطن بها كأسرة حاكمة كانت قريبة من الشعب وحريصة على أمنه وأمانه وما اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزير للداخلية رحمه الله إلا توافق مع الرؤية السائدة لعامة المواطنين الذين يرون في سمو الأمير نايف أنه الرجل المناسب في المكان المناسب وأن رؤى قيادتنا الحكيمة تأتي دوماً بتوفيق الله متوافقة مع تطلعات الجميع.
ولعل ما كان يميز صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله أنه لايحب الأضواء ولا يعشق كثرة الكلام ، شأنه شأن هذه القيادة الحكيمة ، التي تدع المنجزات تتحدث عن نفسها بنفسها كواقع ماثل للعيان، فقد كان سموه لايتحدث بلغة الآمال والأحلام ، وإنما كان يتحدث عن الواقع والمعايش وثوابت الطموح والمواكبة واستشراف المستقبل المشرق الآمن بإذن الله، ولا يتعامل سموه بلغة التهديد والتخويف.
وكما قال سموه رحمه الله في أكثر من لقاء ومناسبة ( رجل الأمن مواطن قبل أن يكون رجل أمن ) وبحكم أن الجميع أولاً مواطنون ، فهم رجال أمن وبصفة أن سموه كان مسؤول الأمن الأول في هذه البقاع الطاهرة ومنذ عقود من الزمن، كان الأحرص دوماً على أن يظل هذا الشعب الوفي شعباً مثالياً في تعامله وحياته، يتمتع بأمن وطمأنينة شاملة، فالجميع هنا في المملكة ومن خلال منظور المسؤول الأول رجال أمن.
وكان سموه رحمه دوماً واضوحاً في حديثه، ويضع بثقته المعهودة لشعبه النقاط على الحروف، ويوصد الأبواب في وجه كل ناعق وحاقد، ويتحدث باسم المواطن وما يعيشه ويعايشه اليوم، وكان يتحدث بقلب وعقل وروح وهاجس هذه المواطن الذي له خصوصية أعطتها القيادة كل الرعاية والمحافظة، ونراه ذلك المسؤول الذي يعنيه، كل شاردة وواردة تهم أمن هذا البلد الغالي ، ويحرص على أن لايدع مجالاً للشك، مؤكدا أن المواطن هو مصدر الثروة والاهتمام ، وأن أمنه وراحته فوق كل اعتبار.
وفي مجال حقوق الإنسان كان الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية رحمه الله يتبنى بكل جدية دعم وزارة الداخلية لجهود هيئة حقوق الإنسان، في سبيل تحقيق أهدافها، وأداء وظائفها لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها.
وفي مجال محاربة الإرهاب الذي هدد العالم وتفكيك قواعده كان لسمو الأمير نايف بصماته الخاصة ومدرسته المتميزة التي أصبحت فيما بعد مدرسة عالمية، حيث أعطى سموه رحمه الله للدراسات العلمية والبحوث الميدانية والمواكبة الأمنية مساحات تجلت فيما بعد في انتصار العدل وإحقاق الأمن وتحجيم مخاطر تلك الفئات الضالة بصور أذهلت العالم، ومركز الامير محمد بن نايف للمناصحة الذي وفق لعودة الكثير الى جادة الصواب لخير دليل على ذلك.
وتميز سمو الامير نايف في العديد من المجالات، وسيرته رحمه الله وعدد المناصب التي كان فيها ذلك القوي الأمين وشهادات التقدير العالمية أكثر من أن ألم بها في هذه العجالة وهذا الموقف الحزين والحدث الجلل ، لكنها سطور مختصرة هي ترجمة لمشاعر هذا الشعب المدين لسموه رحمه الله، سائلاً المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنته ويجبر مصيبتنا بفقده.
"إنا لله وإنا إليه راجعون".