الجمعة، 21 سبتمبر 2012

خادم الحرمين الشريفين .. حارس الوطن وقائد التنمية وملك التواضع

تلازم ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية ما دأب عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - بالمحافظة على وحدة الوطن وحراسة وسلامة أرضه وتلاحم أمته ، إذ ظل هاجسه وحديثه الذي بات يردده في كثير من المناسبات الوطنية.
قاد خادم الحرمين الشريفين مسيرة التطوير والتنمية في المملكة باقتدار ، صاحب ذلك تواضع الكبار ، ورفق ولين أبرزت أهم سماته الشخصية - أيده الله -.
وهذا الشعور هو أهم ما استوعبه من أبيه الملك الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - فقد انتقل الملك عبد العزيز إلى جوار ربه وهو يوصي أبناءه بالمحافظة على وحدة الوطن.
اختزن خادم الحرمين الشريفين هذا الموقف في ذاكرته وحفظه قلبه، ووعاه عقله ، ورواه عندما حانت مناسبة لاستحضاره، فقال : (التاريخ إذا كان منصفا سيتذكر أن ذلك الرجل (الملك عبدالعزيز) صنع شيئا مهما في التاريخ العربي، إنني أستذكر أنه عندما كان يروي لنا قصص توحيد أجزاء المملكة، فإنه كان يحدثنا عنها ونحن على موائد الخير التي تدفقت بفعل الاستقرار، لقد حارب الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ومعه رفاقه ببطون معصوبة بالحجر حتى لا يشعر هو وجنوده بالجوع، لكنها عزيمة الرجال.
حزم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمره لدعم مسيرة التنمية المادية والبشرية في المملكة بكل اقتدار وإصرار يسير مع ذلك مواصفاته الشخصية التي تحلى بها أبرزها التواضع والقوة في الحق.
عندما كان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على فراش المرض وقبل أن يفارق الحياة كان هاجسه وحدة المملكة وأمنها، مع أن الظروف في ذلك الوقت ليست نفس الظروف الحالية، حيث الصراع يأخذ شكلاً شرساً مليئا بالأحقاد والضغائن، في ذلك الوقت انتقل الملك عبدالعزيز إلى رحمة الله.
وربما لكل تلك الأسباب والظروف مجتمعة أصبح الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - يجمعه بوالده الملك عبدالعزيز شبه في شكله ومظهره، واقتداء به في دينه وعمله وخلقه، وعلى هذه التقوى ومخافة الله في كل شيء , نشأ الملك عبد الله عابداً لربه، مخلصاً لدينه، باراً بوالديه، محباً لوطنه وشعبه وأهله، رباه والده الملك عبدالعزيز على قيم الدين الحنيف، وعقيدة السلف النقية، وخصال الخلق الحميد، فتعلم من أبيه أن (الملك) تكليف لا تشريف، ورسالة عظيمة، ومسؤولية يُسأل عنها أمام الله، ويحملها أمانة في عنقه إلى يوم يلقى ربه.
وكان الملك عبدالعزيز يؤكد على أبنائه معايشة هذه القيم وتطبيقها في حياتهم اليومية، ويردد عليهم في مجالسه فرادى وجماعات قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ .
أدرك خادم الحرمين الشريفين منذ باكر شبابه أن العدل أساس الملك، وأن العدل دليل مكارم الأخلاق، وأول هذه المكارم التواضع، والتواضع يجلب محبة الناس، ومحبة الناس من محبة الله للعبد، وإذا أحب الناس ولي أمرهم أعانوه على إقامة العدل وشاركوه المسؤولية، فكانوا لمروءته أوفياء، وعلى عهده أمناء، يدينون له بالولاء في حضوره وغيابه.
عبّر خادم الحرمين الشريفين عن هذه المعاني بإيجاز بليغ في خطابه التاريخي للأمة بمناسبة توليه العرش، فقال (أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنحني القوة على مواصلة السير في النهج الذي سَنّة مؤسس المملكة العربية السعودية العظيم جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - واتبعه من بعده أبناؤه الكرام رحمهم الله).
هذه العبارة وحدها تكفي للتدليل على ما يختزنه الملك عبدالله في ذاكرته من تاريخ لقيم ورثها عن أبيه وظل يعمل بها ومن أجلها طوال مراحل مسؤوليات حياته حتى توليه الملك، وعندما يصبح ملكاً يعبر عن وعيه بثقل المسؤولية وعظمتها فيعاهد الله ثم شعبه على إقامة شرع الله (أعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق، وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة). ثم يبرز تواضعه، ذلك التواضع العظيم الذي عاش به منذ كان في مدرسة والده الملك عبدالعزيز، إذ يقول مخاطباً الشعب (أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة، وألا تبخلوا عليّ بالنصح والدعاء).
كان خادم الحرمين الشريفين يملك فلسفة الوفاء والإيثار في آن واحد ففي في يوم الأحد 21 شعبان 1402هـ الموافق 13 يونيو 1982م توفي الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - وبايع الشعب الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - ملكاً للمملكة العربية السعودية والأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولياً للعهد ( آن ذاك ) وعين في اليوم نفسه نائباً لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره في رئاسة الحرس الوطني ، وعلى مدى ما يقرب من ربع قرن كان عبدالله بن عبدالعزيز يشارك أخاه فهد بن عبدالعزيز ويؤازره ويعضده بنكران ذات وإخلاص منقطع النظير في بناء النهضة الحضارية الشاملة التي شهدتها كل مرافق الحياة في المملكة ودفعه وفاؤه العظيم لوطنه أن ينشئ العديد من المؤسسات الإسلامية والثقافية والاجتماعية ودعم المرافق التعليمية.
ومادام خيار هذا الوطن هو الإسلام، والإسلام مصدر وطنية كل مواطن فإن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لا يتوانى في الحديث في أدق الأمور التي تخص مواطنة المواطن نصحاً وتحذيراً ولفتاً للنظر في ما يمكن أن يغيب عنه، فيقول المليك بحميمية صريحة شارحاً المنهج الإصلاحي الإسلامي الذي تسير عليه الدولة: إن الدولة ماضية بعون الله في نهجها الإصلاحي المدروس المتدرج، ولن تسمح لأحد بأن يقف في وجه الإصلاح سواء بالدعوة إلى الجمود والركود أو الدعوة إلى القفز في الظلام والمغامرة الطائشة، وإن الدولة تدعو كل المواطنين الصالحين إلى أن يعملوا معها يدا بيد وفي كل ميدان لتحقيق الإصلاح المنشود، إلا أن الدولة لن تفتح المجال أمام من يريد بحجة الإصلاح أن يهدد وحدة الوطن أو يعكر السلام بين أبنائه.
ويضيف - أيده الله - قائلا : إنني أطلب من كل مواطن يود بحث الشؤون العامة أن يتحلى بالحكمة والاتزان وأن يتجنب ركوب الموجة وشهوة الظهور. إننا لا نود التعرض لحرية الرأي المسؤولة الواعية ولكننا في الوقت نفسه لن نترك سلامة الوطن ومستقبل أبنائه تحت رحمة المزايدين الذين يبدؤون بالاستفزاز وينتهون بالمطالب التعسفية).
لقد كان عبدالله بن عبدالعزيز أميراً وملكاً منفتحاً على الناس جميعاً، لا يرد من بابه أحدا، يناقش الصغير بنفس مستوى احترامه للكبير، له عزيمة الشباب ومضائه وله حنكة الشيوخ وحكمتها، فالمجالس المفتوحة سُنَّة، سنها الملك عبدالعزيز مؤسس هذا الوطن الأكبر، وعض عليها بالنواجذ من بعده أبناؤه ملوكا وأمراء، فلا عجب أن يكون عبدالله بن عبدالعزيز في طليعة المتمسكين بهذه السنَّة والداعين إليها والحريصين عليها.
ويفاخر الوطن بخادم الحرمين الشريفين لامتلاكه قوة في الإيمان والحق وبعقيدة المؤمن الراسخ الإيمان يتحدث حيث يتطرق فكر الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى فلسفة العلاقة بين (حق القوة) و(قوة الحق) فيقول في إيجاز بليغ حكيم: (قوة الحق قوة سرمدية، وحق القوة حق ظرفي، إن تبدَّى اليوم فهو مندثر حتماً). والقوة في نظر الملك عبدالله بن عبدالعزيز (قوة الإيمان) وهي القوة التي لا تغلب، وهي القوة التي يفاخر بها عندما يستعرض الأقوياء قوتهم دون أن يخاف على قوته من الهزيمة أو الانكسار؛ لأنها قوة الله التي منحته الثقة بالنفس. (إنني هنا لا أتحدث من مركز ضعف، بل من مركز قوة، قوة المؤمن بالله، والواثق من المستقبل).
ومثلما منحه الإيمان الثقة بالنفس والشعور والقوة منحه أيضا التفاؤل، فلم يكن عبدالله بن عبدالعزيز متشائما أبدا حتى في أحلك اللحظات سوادا، بل كان دائما يدعو إلى التفاؤل، لأن التفاؤل من صفات المؤمن الحق، وهو الذي يستذكر في كل موقف قول نبيه صلى الله عليه وسلم (أمر المؤمن كله خير فإن أصابه خير شكر... وإن أصابه شر صبر....) فلا عجب أن ينعكس هذا الإيمان الوطيد بالله في شعوره الدائم بالتفاؤل إذ يقول : إنني لا أتشاءم، فالمؤمن لا يتشاءم، ولذلك فإنني وطيد الثقة من أن هذه الغيوم ستختفي من سمائنا، فيد الله - عزَّ وجلَّ - ستعيد الشارد إلى الجادة مهما تعثر أو ضل، وإن إرادة الحياة وقوة الإيمان فينا لن تجعل من حاضرنا مدفنا لأمجاد ماضينا.
وهو يعرف أنه لن يتأتى الانتصار في معركة التحدي التي تواجهها أمته إلا بذلك الشعور بالمسؤولية على مستوى الأمة، المسؤولية أمام الله؛ لهذا نجده بعد أن يحدد المسؤولية، ويشخص الداء، يشير إلى الدواء: (إننا عربا ومسلمين.. مسؤولون كل المسؤولية أمام الله.. ثم أمام الأمة والتاريخ.. عما نشهده من عدوان على الحق.. واستهانة بالحقيقة.. واغتصاب للحقوق.. وإن السبب في ذلك.. يعود بشكل أساسي إلى هدر قوانا في معارك جانبية.. وخلافات هامشية.. وانشغال بعضنا ببعض في لحظات الحسم.. مما يعطي الفرصة لأعدائنا.. وللقوى الكبرى.. لتحقيق مصالحها ومخططاتها على حساب مصيرنا.
ويزيد خادم الحرمين الشريفين بالقول : إنني أدعو اليوم.. كافة أبناء هذه الأمة شعوبا وقادة.. لتوحيد الصف والجهد.. وتكريس الإمكانيات لتحقيق الخلاص.. ولنعلم أن التاريخ لا يرحم.. والأجيال لا تعذر.. وإننا جميعا ذاهبون.. فلكل أجل كتاب.. ولكل عمل كريم ثواب.. ولكل نبأ مستقر).
ولا يزال الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - يدعو إليها على مدى مراحل حياته المثمرة بالعمل والوفاء والمروءة ونكران الذات مواطنا وأميراً ورئيساً للحرس الوطني ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، وولياً للعهد حتى أصبح ملكاً وخادماً للحرمين الشريفين في يوم الاثنين 26 جمادى الآخرة 1426هـ الموافق الأول من أغسطس 2005م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق